![]() |
لمحة تاريخية عن داء السكري |
يعتبر مرض السكري مشكلة صحية عالمية تصيب المجتمعات الإنسانية في جميع
مراحل التنمية ، ويعد في الوقت الحاضر من أكثر الأمراض انتشارا في العالم أجمع
المتقدم منه والنامي ويصيب الأغنياء والفقراء الصغار والكبار ، الرجال والنساء .
ومرض السكري داء قديم له جذور عميقة في التاريخ الإنساني ، فقد عرفه المصريون
القدماء منذ عام ( 1500 ق - م ) ، حيث وجد على بعض الجدران والمخطوطات
المصرية القديمة وصف لمتلازمة البول والعطش ، وفي القرن الثالث قبل الميلاد تحدث الصينيون القدماء في كتبهم عن أعراض مرض السكري حيث وصفوه بزيادة البول والعطـش والجـوع ، أما عند اليونان القدماء فقد ذكر داء السكري منذ عام ( 75 ق - م ) حيث أطلقوا عليه اسم " Diabetes Mellitus " وكلمة Mellitus باللغة اللاتينية تعني حلو المذاق أو العسل ، وكلمة Diabetes تعني خروج السائل والمقصود به البول وبذالك يكون المعنى الكامل ، البول السكري ، ووصف الطبيب اليوناني " أريتيس " Aerates منذ ( 138 - 81 ق- م ) المظاهر السريرية لمرضى السكري كما هو معروف اليوم ، وقد ذكر الفيلسوف والطبيب الروماني " سيلسس " Celsus
(30سنة ق - م ، 50 سنة م ) ظاهرة البول المصحوبة بالوهن والضعف ونصح
بعلاجها من خلال تنظيم الغداء وممارسة الرياضة البدنية ، وقد أخذ العرب اسم المرض من الإغريق وهو " ديانيطس " كما أطلقوا عليه أيضا اسم " الدوارة " و " الدولاب " ويعتبر ابن سينا أول من وصف مرض السكري وصفا دقيقا في كتابه " القانون في الطب " قال " ديانيطس هو أن يخرج الماء كما يشرب في زمن قصير أو أن صاحبه يعطش فيشرب ولا يروى ، بل يبول كما يشرب ويكون غير قادر على الحبس البتة " وذكر ابن سينا في كتابه عن أعراض المرض قائلا " ومن أعراضه العطش الشديد والضعف الجسمي والإجهاد العصبي وعدم انتظام الشهية " . وفي القرن السابع عشر وصف " توماس ويليس " Thomas Willis حلاوة السكري بقوله " إنه مشروب العسل " وأثبت " دوبسن " Dobson أن هذه المادة هي السكر ، مما قاد للتفكير بمعالجة المرض بحمية قوية معقولة ، وفي عام ( 1859 م ) بين " كلود برنارد" Cloud Barnard أن دم الشخص المصاب بالسكري يحتوي على كمية زائدة من
السكر وهذه صفة هامة للداء ، وفي عام ( 1869 م) نجح طالب الطب الألماني " بول
لانجرهانز " Paul Langerhanz في وصف جزر الخلايا التي تنتج هرمون
الأنسولين الموجود في البنكرياس والتي تحمل اسمه الآن وتوصل إلى أن خلايا " بيتا" هي المسؤولة عن إنتاج الأنسولين . وفي عام ( 1889 م ) استطاع كلا من العالِمين
"فون " و " مينكوسكي " Phone et Minkowski إحداث تطور مهم في فهم طبيعة مرض السكري ، وذالك من خلال إجراء جراحة لنزع غدة البنكرياس بشكل تام لأحد الكلاب ، وبعد إجراء الجراحة لم يمت الكلب ، ولكن ظهرت عليه علامات وأعراض مرض السكري حيث بدأ يشرب بكثرة ويتبول بكثرة ، الأمر الذي لفت انتباه العالِمين وذالك من خلال تجمع الذباب بكثرة على بول الكلب مما دفع بهما لإجراء تحليل للبول فوجدا بأنه يحتوي على نسبة عالية من سكر الجلوكوز وسرعان ما اكتشفا بأنهما قد تسببا بإصابة الكلب بمرض السكري .
وفي سنة 1921 نجح الباحثان " بانتينغ " و " بيست " Banting et Best ولأول مرة في اكتشاف علاج فعال لمرضى السكري بواسطة الأنسولين ومن أجل هذا الاكتشاف منحت لهم جائزة " نوبل " Nobel سنة 1923 . ومع اكتشاف الأنسولين أصبح مرضى السكري أطول عمرا وأقل تعرضا للاختلاطات الحادة .
وقد أصبح داء السكري في الوقت الحاضر أحد أهم الأمراض المزمنة التي تصيب
الكثير من المجتمعات في العالم ، وبالرغم من كثرة المضاعفات التي قد يسببها المرض يستطيع المصاب بإذن الله درء أخطارها ، والتمتع بحياة طبيعية مثمرة وذالك عن طريق الالتزام بمتطلبات العلاج .