أخذت الدافعية عامة،
والدافعية للإنجاز خاصة مكانةً بارزةً من بين الموضوعات التي تناولها علماء النفس
قديماً وحديثاً، وقد استقطبا اهتمام العديد من الباحثين، وأصبحا من أكثر المواضيع
التي حظيت بالبحث والدراسة في علم نفس الشخصية، علم النفس المدرسي، علم نفس العمل
والتنظيم. ويلاحظ على مفهوم الدافعية للإنجاز صعوبة التعريف والتحليل، وتعدد وتنوع
الأطر النظرية التي تناولته وهذا يعود إلى اختلاف منطلقات الباحثين الفكرية
والإطار النظري الذي ينتمون إليه، واختلاف نظرتهم للإنسان والسلوك الإنساني،
واختلاف مبادئ وأسس المدارس السيكولوجية التي ينتمون إليها. كما يلاحظ تعدد وتنوع
العوامل التي تؤثر في بناء الدافعية للإنجاز سواء الذاتية المتعلقة بالفرد أو
الخارجية المتعلقة بالأسرة أو المدرسة، وأن هذه العوامل منفردة أو مجتمعة قد ترفع
أو تخفض من مستويات الدافعية للإنجاز لديه. وتتجلى أهمية دراسة الدافعية للإنجاز في المجال المدرسي من حيث كونها هدفاً تربوياً في حد ذاته. فمعرفة العوامل المساهمة في رفع
أو خفض المجهودات المبذولة سواء من قبل المدرسين باعتبارهم مدخلات أساسية لتربية
وتعليم الأجيال الصاعدة، والمتعلمين باعتبارهم مخرجات من المستويات الدراسية
المحققة تعرف إلى أيّ مدى تم تحقيق الأهداف التربوية التي خططت لها. والدافعية
للإنجاز من العوامل المؤثرة في العملية التربوية من حيث اهتمامها بالحياة النفسية
والمدرسية للمتعلم، وذلك من خلال تحقيق حاجاته ودوافعه النفسية والاجتماعية
والمدرسية. وإن استثارة دافعية التلاميذ وتوجيهها، وتوليد اهتمامات معينة لديهم،
تجعلهم يقبلون على ممارسة نشاطات معرفية وعاطفية وسلوكية خارج نطاق العمل المدرسي
في حياتهم المستقبلية. فالدافعية للإنجاز المرتفعة لدى المتعلم تعتبر من المحددات
السيكولوجية الهامة التي تدفع به إلى إنجاز وتحصيل دراسي جيّد، ومن المؤشرات دالة
على نجاحه وتفوّقه الدراسيين..
المنحى البيولوجي لعلم النفس الدافعي وسيكولوجية التعلم وعلم النفس الفيزيولوجي
في أواخر القرن
التاسع عشر نما الاهتمام بالتعلم الحيواني حيث برز العالم الأمريكي إدوارد
ثورندايك (E.Thorndike) كرائد في تأسيس علم نفس تجريبي للتعلم. وقد عرف هذا
الباحث بتجاربه على القطط والحمام، وجعل من المتغيرات الدافعية العوامل الأكثر
أهمية في سيكولوجية التعلم (منصور، 1992، ص 169). واستخدم ثورندايك في البداية المصطلح الشائع في زمنه
وهو الغريزة كدلالة على المتغير الدافعي الأساسي لكن حينما اشتد الجدل حول الغريزة
استبدله في نظريات التعلم بمصطلحات أخرى للمتغيرات الدافعية الأولية مثل الحوافز
والحاجات والمطالب، وقدم مصطلح الحافز سنة 1918 لتعيين
المتغير الدينامي الذي يحرك وينشط آليات السلوك.
ويعتبر العالم الأمريكي إدوارد شيس طولمان(E.C.Tolman) من أبرز الباحثين الذين أدخلوا المتغيرات الدافعية فيسيكولوجية التعلم بحيث قدم في كتابه" السلوك الغرضي لدى الحيوانات
والإنسان" سنة 1932 المتغيرات
الدافعية كالحوافز والمطالب على أنها أكثر المحددات السلوكية أو المتغيرات الوسيطة
أهمية جنباً إلى جنب مع المتغيرات المعرفية المتمثلة في الاستعداد والغاية
والوسيلة والتوقعات. ويشير طولمان إلى أن الدافعية تلعب دوراً هاماً كمحدد للأداء
الذي يرشد ويوجه إيجابياً المحددات المعرفية (منصور، 1992، ص 170).
ويعتبر العالم الأمريكي كلارك ليونارد هول (C.L.Hull) من الباحثين
الذين تأثروا بأعمال طولمان.
وتعتبر أبحاث ودراسات هول الرئيسية نظرية متطورة في
السلوك، حيث طور قانون الأثر لثورندايك إلى نظرية التدعيم. وقد استبدل في هذه
النظرية مصطلح الإرضاء عند ثورندايك باختزال الحاجة وفيما بعد اختزال الحافز، وحدد
مصطلحي الدافعية: الحافز والحاجة.
المنحى الاجتماعي لعلم النفس الدافعي ودينامية الشخصية
قدم سيجموند فرويد (S.Freud) أول
صياغة منظمة لنظرية الدافعية سنة 1915 حيث
حدد متغيره الدافعي الأساسي وهو الغريزة.
واقترح فرويد غريزتين أساسيتين حاول أن يرجع إليهما كافة ما يصدر عن الفرد
من تصرفات وسلوكيات وهما: غريزة الحياة أو الإروس (Eros)،
والتي تضم الغرائز الجنسية وغرائز حفظ الذات أو غرائز الأنا، وغريزة الموت أو
الثناتوس (Thanatos)،
والتي تتعارض مع غريزة الحياة ومن أبرز مكوناتها غريزة العدوان.
وأكد فرويد في نظريته على أهمية دور خبرات الطفولة
المبكرة في تحديد سلوك الفرد المستقبلي. كما طرح مفهوم الدافعية اللاشعورية لتفسير ما
يقوم به الفرد من سلوك دون أن يكون قادراً على تحديد أو معرفة الدوافع الكامنة
وراء سلوكه هذا، ويفسر هذه الظاهرة بمفهوم الكبت وهو آلية نفسية يخزن بها الفرد
أفكاره ورغباته في اللاشعور ليتجنب ضرورة بحثها على مستوى الشعور لأسباب تتعلق
بعدم توافر الفرص المناسبة لتحقيقها على هذا المستوى.
وفي هذه الفترة التي ظهرت أعمال بافلوف وثورندايك وماك
دوجال، كان فرويد يرسي أساس نظرية التحليل النفسي بعد محاولته لبناء نظرية
فيزيولوجية وهو عمله الرئيسي الأوّل عن الأحلام سنة 1900.وتعتبر نظرية فرويد نظرية دينامية إذ أنها ركزت على
الطاقات والقوى والصراعات النفسية الداخلية كمحددات للسلوك السوي والمرضي.
وعُرف كورت ليفين (K.Levin) بأعماله التجريبية الأولى حين تحدث عن الميول المسيطرة
والتي هي القوى الدافعية الأولية بجانب الميكانزمات الارتباطية والتي سماها فيما
بعد بالحاجات. ونظرية
ليفين هي النظرية التي ترتبط بعلم النفس التجريبي الكلاسيكي. وأكد موراي في تفسيره
للسلوك على أهمية أحداث الطفولة المبكرة وديناميات الشخصية. ويقدم المتغير الدافعي
(الحاجة) حيث تتضمن نظريته تقريباً أربعين حاجة.
وقد اتبع ماكليلاند خطى موراي وأخذ يسعى إلى استكمال الشوط إلى أقصى مداه
مستعيناً باختبار تفهم الموضوع وإنماء نظرية في الدافعية. وتوصل ماكليلاند وزملاؤه
إلى تصورات جديدة للدافعية وركزت بحوثهم وتصورهم النظري أساساً على متغير دافعي
واحد المعروف بالدافع للإنجاز. واهتم أتكنسون أحد رفاق ماكليلاند بسلوك المخاطرة،
واعتمد على دافعية الإنجاز وطورها إلى طراز مثير للغاية كنظرية للدافعية الإنسانية.
وبرز اتجاه آخر في سيكولوجية الشخصية مع أعمال جوردن ويلارد ألبورت (G.W.Allport) وما
اقترحه في كتابه عن الشخصية سنة 1937، بحيث
وضع نظاماً وصفياً للشخصية يتناقض إلى حد ما مع الخط الأساسي الدينامي لنظرية
الشخصية كما قدمه فرويد وليفين وموراي وغيرهم. وأنكر ألبورت أهمية الحاجات أو
الحوافز البيولوجية وكذلك أهمية النمو في الطفولة بالنسبة لشخصية الراشد. وكبديل
لذلك طور فرضاً عن الاستقلال الوظيفي لدافعية الكبار، ورأى أن دوافع الأفراد تتغير
وتنمو في سياق الحياة، لأن من طبيعة الناس أنهم ينبغي أن يفعلوا هكذا. واتفق
ألبورت في هذه النظرية الفلسفية الوجودية للإنسان مع أبراهام ماسلو (A.aslow) الذي
يعتبر من أبرز علماء الاتجاه الإنساني في نظرية الشخصية. وانتقد ماسلو نظرية
التحليل النفسي من حيث أنها تعتمد على دافعية النقائص، واغفل تماماً عن دافعية
النمو التي تتضح كحاجة إلى تحقيق الذات، والتي يمكن أن تتبدى في السلوك حينما تشبع
الحاجات الأخرى، واقترح نظاماً هرمياً للحاجات وفقاً للقوة الغالبة يمتد من أولى
الحاجات الفيزيولوجية إلى أرقى الحاجات نضجاً وتطوراً من الناحية النفسية.
المصدر: د/ ربيحة عمور.