يعتبر تقدير الذات من الأبعاد الهامة في شخصية الفرد. فهو يؤثر بدرجة كبيرة في سلوكه وتصرفاته وفهم الفرد لذاته يمثل محوراً هاماً في الشخصية السوية، فمن خلاله تتكوّن لدى الفرد بصيرة أفضل بالأفكار والمشاعر والأفعال، ويكون أكثر واقعيةً مع النفس ومع الآخرين، وأكثر إدراكاً لأسباب السلوك ومحركاته وموجهاته. ومازالت الذات وتقديرها من المفاهيم الأساسية التي تتصدر المراكز
الأولى في البحوث النفسية والشخصية، نظرا للأهمية التي يتضمنها تقدير الذات في
تأثيره المباشر على الفرد وكيانه.إذ أن العمل على
جعل الفرد يرى نفسه بصورة ايجابية يقود إلى مزيد من الكفاءة والعمل ويؤدي إلى
التفوق، كما أن السعي نحو تطوير وتنمية تقدير الذات لدى الفرد يساعد على التعامل والتفاعل
مع الآخرين ومع المواقف، وبالتالي مواجهة
التحديات والضغوط الحياتية التي تعارض الفرد.
يحتل تقدير
الذات مكانة مهمة ومركزية في دراسات علم النفس الحديث عامة، وفي كتابات علماء
الشخصية خاصة، إذ يعد إدراك الفرد لذاته محددا لسلوكه في المستقبل فنجده يستمر في
تنمية وتطوير قدراته وإمكاناته عندما يكون متقبلا لذاته.أما إذا فقد هذا التقبل فإنه يستخدم معظم طاقاته في
الهدم أكثر من البناء. وقد ظهر عند بعض منظري الشخصية مثل روجرز، مورفي، هورني وأدلر أن اعتماد الفرد اتجاهاً إيجابياً نحو ذاته
يعتبر عاملاً مهما. ولقد أولى العديد من علماء النفس المحدثين أهمية
كبرى للمكانة التي يحتلها تقدير الذات في حياة الأفراد من جهة، والدور الذي يلعبه
في حياتهم الدراسية والاجتماعية والمهنية من جهة أخرى.
وتــأتي أهميــة تقــدير الــذات خــلال مــا يصــنعه الفــرد لنفســه،
ويــؤثر بوضــوح فــي تحديـد أهدافـه، واسـتجاباته نحـو الآخـرين، ونحـو نفسـه،
ممـا جعـل المنظـرين فــي مجــال الصــحة النفســية إلــى الإشارة إلى تــأثير
تقــدير الــذات فــي حيــاة الأفــراد، وكــان "فروم" من الأوائل الذين لاحظوا
الارتباط الوثيق بين تقدير الشخص لنفسـه، ومشـاعره نحـو الآخـرين، وأن تقـدير
الـذات المـنخفض يعتبـر شـكلاً مـن أشـكال العصـاب.
وذكر بعض الباحثين أن الــذات هــي أســاس التوافــق بالنســبة للفــرد،
وأن الإنســان يســعى لتحقيــق ذاتــه عــن طريــق اشــباع حاجاتــه المختلفــة،
دون حــدوث تعــارض مــع متطلبـات وظـروف البيئـة المحيطـة بـه. وبمـدى نجـاح
الفـرد فـي تحقيـق هـذا التـوازن، ينمـو لديـه تقـدير موجـب لذاتـه بدرجـة مرتفعـة
ويختلـف الأفـراد فـي تحقيـق هـذا التـوازن ممـا يعمـل علـى اخـتلاف تقـدير الـذات
لـديهم، وهـو مـا يـؤدي إلـى التقـدير المرتفـع أو المـنخفض للـذات، ويختلـف
تقـدير الـذات حسـب المواقـف إذ يتـأثر بـالظروف البيئيـة فيكون تقدير الذات إيجابياً
إذا كانت مثيرات البيئة إيجابية.
ويندرج تقدير الذات بين أكثر سمات الشخصية التي تمت دراستها عبر العقود
الماضية، ويأتي جزء من الاهتمام به من
الاعتقاد بأنه مسؤول عن عدد كبير من المشكلات النفسية والاجتماعية.
ولا يوجد حكم أو تقويم أكثر أهمية
وقيمة بالنسبة للفرد من التقدير الذي يحمله هو لذاته، كما لا يوجد أيضا عامل أكثر
حسما في الارتقاء النفسي وفي مستوى الدافعية، أكثر من التقدير الذي يحمله الفرد
لذاته. وأشار علماء النفس الاجتماعي عامة، وعلماء الشخصية خاصة إلى أهمية التركيز
على العلاقة بين الذات والبناء الاجتماعي عند تفسير كيفية تأثير الظروف الخارجية
على الحالة الوجدانية للفرد. كما تتحدد الصحة النفسية بالارتفاع أو الانخفاض تبعا
لشكل أو طبيعة النظر إلى الذات، فيشار عادة إلى الصحة النفسية الجيّدة على أنها
نوع من تقبل الذات أو الثقة بها. وفي هذا الصدد أشار "جانيس" (Janis,1954) إلى أن الفرد الذي يتميّز
بتقدير ذات منخفض يكون غير قادر على مقاومة الضغوط التي تصدر من الآخرين، كما أنه
لا يستطيع إدراك محاولات التأثير أو التهديد الخارجي. أما الأفراد الذين يتميّزون
بتقدير ذات عالٍ فهم قادرون على تكوين أفكار حقيقية عن قدراتهم وفردياتهم
وكفاءاتهم.
وترى "دو سان بول" (1999) أن
تقبل ذواتنا هو اللبنة الأولى التي يبنى عليها تقدير ذواتنا وثقتنا في أنفسنا.
فيجب علينا تقبل ذواتنا من نواحيها الجسمية والأخلاقية والعقلية والنفسية.