من الضروري جدا توافر قدر كاف من الذكاء الانفعالي لدى الفرد ليتمكن من تكوين قيم أساسية ومهمة تساعده على النهوض بمستقبله ومواكبة الحياة بنجاح، وإن إعداد المتعلم ليكون ناجحاً في عمله الدراسي لا يتوقف على التأهيل العلمي والأكاديمي في مجال تخصصه فحسب، بل إلى تنمية مهاراته الانفعالية والاجتماعية لتحسين مستوى تحصيله الدراسي وتعزيزه بشكل أفضل. وتشير البحوث إلى إمكانية تحسين التحصيل الدراسي للمتعلمين بتنمية المهارات الانفعالية والاجتماعية لديهم، ويتم ذلك من خلال رفع مستوى وعيه بذاته وتفهمه لعواطفه وعواطف ومشاعر الآخرين وحل مشكلاته وإدارة انفعالاته في محيط البيئة التعليمية، فالذكاء الانفعالي ضروري لحياة المرء اليومية إذ يساعده على توجيه قدراته والتحكم في قراراته وهو يلعب دوراً بارزاً في وعي الفرد بانفعالاته ومشاعره والتحكم بها وإدارتها وقراءة مشاعر الآخرين والتعاطف معها... ومن الأهمية بمكان دراسة الذكاء الانفعالي في ضوء بعض المتغيرات.. فالصحة العاطفية هامة للتعلم الفعال، وأن فهم الطالب لكيفية التعلم هو أساس نجاحه. وأن الطالب الذي لا يتحكم في انفعالاته ولا يبدي مشاعر التفهم فإنه يكون أكثر عرضة للتوتر والغضب مما يعيق عملية التعلم لديه، فالطالب الذي تتملكه هذه الحالات لا يستطيع استيعاب المعلومات والمعارف، لأن الانفعالات السلبية القوية تحول الانتباه إلى انشغال بذاته مانعة أي محاولة للتركيز على شيء آخر، وأن الأفراد ذوي الذكاء الانفعالي المستمر أكثر صحة ونجاحا، ويؤسسون علاقات شخصية قوية ويمتلكون قدرات قيادية فعالة، ونجاحا مهنيا أكثر مقارنة مع نظرائهم من ذوي القدرات المحدودة في الذكاء الانفعالي. وإن امتلاك الفرد لمهارات الذكاء الانفعالي من العوامل الأساسية التي تحدد نجاحه في التعليم والإرشاد.
أهمية الذكاء الانفعالي في المجال المدرسي
يرى جولمان أن الذكاء العام يتنبأ فقط بما يقارب20% من عوامل
نجاح الإنسان في الحياة في حين يعود 80% من النجاح
إلى عوامل أخرى ترتبط بالذكاء الانفعالي. وإن ما
يملكه الفرد من مهارات الذكاء الانفعالي يشكل الأساس الأوّل في تحقيق التوافق
النفسي، والسيطرة على التوتر والانفعالات السلبية، كما يعد عاملاً أساسياً ومهماً
في نجاح الفرد وتفوقه، وبخاصة في ظل ما تفرضه آليات التقدم العلمي والتكنولوجي من
تحديات لمواكبة الحضارة، ومسايرة متطلبات العصر. ويؤكد
الدوسري(2012)
أهمية التركيز على مشاعر وانفعالات ووجدان الفرد في تحقيق التفوّق والنجاح خلال
جميع مراحل الحياة، حيث أن النهوض بمستوى الفرد وجدانياً يساعده على تحقيق أفضل
النتائج.
وتساهم مهارات الذكاء الانفعالي في رفع مستوى دافعية التعلم لدى المتعلم بدلالة المهارات الخمس، ابتداء من الوعي بالذات وإدارة الانفعالات وتحفيز الدافعية الذاتية وتحقيق التعاطف مع الآخرين والتواصل معهم، فهذه المهارات تستثير انتباه الطلبة للتعلم ودافعيتهم نحوه ويتفق هذا ما أشارت إليه دراسة "مطر" التي أكدت على وجود ارتباط دال بين مهارات الذكاء الانفعالي والدافعية.
يؤكد مايرز وتاكر (Mayers et Tucker, 2005)على أهمية وتعزيز وتنشيط الذكاء الانفعالي في المنهاج، وزيادة مهارات الاتصال لأن نظرية الذكاء الانفعالي تقترح ان الأشخاص الأذكياء انفعاليا يعملون بكل جيد مع الآخرين ، ويكونون موضع تقدير واحترام ، لأنهم يعملون على توظيف مهارات الذكاء الانفعالي في سلوكهم الشخصي، ويشير جابر (2004) إلى أن مهارات الذكاء الانفعالي تمكن المتعلم من فهم الجوانب الوجدانية والاجتماعية في حياته، والتصرف فيها والتعبير عنها، على نحو يمكنه من الإدارة الناجحة لمهماته الحياتية، كالتعلم وتكوين العلاقات وحل المشكلات الحياتية... وهذا يرسخ أهمية توظيف الجهود التربوية لغاية تعميم مهارات الذكاء الانفعالي عبر المواقف الصفية، واستثمارها لتنمية مهارات اتخاذ القرار وحل المشكلات.
كما يؤدي الذكاء الوجداني دورا بالغا في تزويد المدرس بالقدرة على إدارة مشاعر الطلاب، ومن ثم العمل على إقامة علاقات اجتماعية بينه وبين الطلاب قوامها الاحترام المتبادل، وذل حتى يتمتع المدرس بالعمل بالقدرة على التأثير على الطلاب، وذل لن يحدث إلا إذا قام المدرس بالعمل على تلبية الحاجات الوجدانية للطلاب لكونها تشكل أهمية كبرى في التنبؤ بردود أفعالهم داخل الفصل تجاهه، ومما يدعو للأسف أن معظم المدرسين غير مجهزين أو مدربين على تحديد وفهم وإدارة مطالب ومشاعر الطلاب الداخلية، وغير مدربين على تحديد وفهم وإدارة مطالب ومشاعر الطلاب الداخلية، وغير مدربين أيضا على تلبية تل المطالب والحاجات. ويرجع السبب في ذلك بصورة كبيرة إلا عدم إدراج تلك المهارات ضمن النظام التعليمي، والمهني والعالي، وبالتالي يجب العمل بكل السبل على ضرورة دمج تلك المهارات الوجدانية ضمن المناهج الدراسية، وذلك لتخريج جيل جيد من المدرسين قادرين على تلبية الحاجات الوجدانية للطلاب، مما يساعدهم بصورة كبيرة في إدارة الفصل المدرسي في ظل تحريم الضرب في المدارس.
يشير ماير وسالوفي(1995) إلى إمكانية تحسين التحصيل الدراسي للمتعلمين بتنمية المهارات الوجدانية والاجتماعية لديهم، ويتم ذلك من خلال رفع مستوى وعيه بذاته وتفهمه لعواطفه وعواطف ومشاعر الآخرين وحل مشكلاته وإدارة انفعالاته في محيط البيئة التعليمية. ويرى بار-أون(2005) أنه إذا كان الذكاء المعرفي مفتاح النجاح في المجال الدراسي فإن الذكاء الانفعالي يعتبر بوابة النجاح في الحياة، فاكتساب المتعلم قدراً من الذكاء الانفعالي لا يقل أهمية عن تأهيله الأكاديمي. ويفترض البعض أن في حالة فشل الفرد في الحياة فإن ذلك قد يعود إلى ضعف مهارات هذا الذكاء لديه، ومن ثم يمكن القول أن الناجحين في حياتهم ليسوا دائماً من المتفوّقين. ويرى الهاشمي أن الاتجاه الحديث في التربية هو أن المدرسة التي لا توجه اهتمامها بصفة أساسية إلى التكوين الانفعالي للتلميذ والمعلم معاً تفقد مقوّماتها كمؤسسة تربوية تهدف إلى تحقيق التوازن الاجتماعي بين الدارسين ومجتمعاتهم.
وترى وهبة(2006) أن اهتمام العديد من الدراسات الحديثة بمفهوم الذكاء الانفعالي دليل على إدراك الباحثين بأهميته وتأثيره في شخصية الفرد ودوره في نجاحه في جميع المجالات سواء في المدرسة من حيث علاقة المتعلمين بعضهم ببعض أو علاقتهم بمعلمهم أو علاقتهم بمدير المدرسة أو في الأسرة ذاتها بين الوالدين والأبناء. ويؤكد الباحثون في مجال التربية على أهمية تغلغل مهارات الذكاء الانفعالي في المناهج التدريسية اليومية التي تساعد المعلمين والمتعلمين على تطوير مهاراتهم لغايات تحقيق النجاح في الأداء المهني أو الأداء الأكاديمي والحياة. ولذلك يعنى الذكاء الانفعالي بطبيعة الأفراد والجماعات والمجتمع برمته. ويمكن للفرد من خلال تنمية مهارات الذكاء الانفعالي أن يضع علاقة بين انفعالاته وتفكيره من ناحية، وبين تفكير الآخرين وانفعالاتهم من ناحية أخرى، بحيث يجعل تلك العلاقة بمثابة الجسر الذي يؤدي به إلى الوصول إلى النجاح في المجالات المختلفة من الحياة. إن وتوظيف الذكاء الانفعالي-في قطاع التربية والتعليم عامةً، ومرحلة التعليم الثانوي خاصةً-أصبح قناعةً، وليس خياراً لدى القائمين على النظام التربوي لما لمسه هؤلاء من تأثيره في تحصيل التلميذ الدراسي، مما يعزّز أهمية توظيف مهارات الذكاء الانفعالي وبرامجه في المناهج والسياسات التعليمية، مما يؤكد أهميته في تفعيل العملية التعلمية-التعلمية، ومساعدة المعلمين والمتعلمين على تحقيق ما ينشدونه من الإنجاز الأكاديمي والإبداع المدرسي. ومع الإدراك المتزايد لأهمية دور الذكاء الانفعالي في التربية والتحصيل الدراسي، فقد أصبح هناك اهتمام متزايد في الولايات المتحدة الأمريكية بتطوير ما يعرف" بالبرامج ذات الأساس المدرسي لتطويرات ومه قدرارات الذكاء الانفعالي". ويقرر سالوفي وزملاؤه وجود أكثر من 300 برنامج من هذا النوع في الولايات المتحدة الأمريكية مع بدايات القرن الواحد والعشرين، وهي برامج تتراوح أهدافها بين تغيير جانب خاص من جوانب السلوك وإحداث تعديل جذري في شخصية المتدرب. ومن أمثلة هذه البرامج برنامج يسمى"علم الذات" الذي تم تطويره في كاليفورنيا الأمريكية على يد ستون ماكوين وزملائه (Stone Mcqueen & al.,1998). ويرى حميد (2012) أن-دراسات هوكينز وزملاؤه (Hawkins & al.,1991) وكابلان وزملاؤه (Caplan& al.,1992) وكوهن (Cohen,1999) وطوبنج وزملاؤه (Topping & al.,2000) وقاري ونيلسون (Gary & Nelson,2005) وفان فورت (Van Voort,2006)-تشير إلى أن دمج الذكاء الانفعالي في مناهج المدراس الابتدائية والمتوسطة والثانوية والجامعية له دور فعَال في تحسين مستوى الذكاء الانفعالي للمعلمين والمتعلمين وخفض مشكلاتهم الانفعالية والعاطفية والسلوكية والتي يمكن أن تؤثر في تعلمهم، كما أنه يؤدي إلى رفع مستوى الأداء التعليمي للمعلمين، ورفع مستوى التحصيل الدراسي للمتعلمين. فمعرفتنا لأنفسنا وللآخرين بالإضافة إلى قدرتنا على استخدام هذه المعرفة يعد حجر الأساس للتعلم والنجاح الأكاديمي. فالذكاء الانفعالي عامل مهم في حياة المؤسسات التعليمية عامة والمدارس الثانوية خاصة. فالبيئة المدرسية التي لا توفر الأمن الانفعالي للمتعلم، تجعله يشعر بالقلق والضغط والتوتر والإحباط في علاقاته بالآخرين، مما ينعكس سلباً على تركيزه في المواقف التعلمية فيقل بذلك تحصيله الدراسي وتنخفض نتائجه الدراسية. ويرى جولمان أن المدرسة هي المسؤولة عن تحقيق الكفاءة الانفعالية من خلال تحسين مهارات الذكاء الانفعالي، بدءاً من مرحلة رياض الأطفال حتى المرحلة المدرسية العليا.
المصدر: د/ ربيحة عمور.